مقال عن فيلم "موسيقى الشارع" في موقع القدس العربي بقلم عبد الحاج
04/06/2014
بعد فيلمه الأول «بعدنا طيبين» وفيلم « تحت سماء حلب» يحاول المخرج السوري عروة مقداد في «شارع الموسيقى» ومن خلال كاميرته رصد رحلة مجموعة من العازفين السوريين في عالم الموسيقى والشباب والحرية، من دمشق إلى شوارع بيروت، ونقلنا إلى عوالم جديدة وشخصيات مغايرة تكسر الصورة النمطية التي اعتادت وسائل الإعلام الجماهيرية أن تصورها من خلال الوجود السوري في لبنان.
ثلاثة شبان موسيقيين وشابة مغنية اجتمعوا في بيروت بعد أن اضطروا لترك بلدهم سوريا بسبب الأحداث التي توالت منذ بدء الثورة، واتفقوا على تأسيس فرقتهم الصغيرة لموسيقى الشارع. وكان منزل أحد أصدقائهم المكان الوحيد المتوفر لديهم من أجل التدريبات. وأصبح شارع الحمراء فضاءهم الوحيد لعزف الموسيقى، هذا الشارع الصاخب في قلب بيروت، يرتاده الكثير من الشباب باعتباره يحوي العديد من الأماكن الترفيهية ويحدث فيه عدد لا بأس به من الفعاليات والأنشطة الثقافية. في لقاءاتهم الدورية يبحث هؤلاء الشباب عن ذكرياتهم في سورية، بين الحنين وأمل الرجوع، يثابرون في عملهم لخلق كيانهم الخاص بهم بعيداً عن ما يعايشونه يومياً من مشاكل وهموم يُثقلهم بها وضعهم كلاجئين في بيروت.
قطعة موسيقية رائعة، صالحة للحركة الرشيقة، الجميلة، التي يقوم بها الشباب في بيروت. بالنسبة لي، هي تبدو أشبه بتمثيل كامل ومثالي لما يجري. أيضاً هي ساعدت في الإفلات من فكرة أن اللجوء سيكون مخيفاً وغريباً.
ففي كل جزء من الفيلم ثمة تناغم أو اندماج بين الصور والموسيقى، فالاتصال بالمتفرج بصرياً، ومن خلال الموسيقى، يتخطى مفاهيم التصنيف الشفهية التي يتشبث بها الجمهور. فالكلمات لها معنى ذاتي جداً ومحدود جداً، وهي على الفور تحدد التأثير العاطفي المحتمل للعمل الفني، على مستوى هو أقرب إلى اللوحة من الكلمة المطبوعة. فالأفلام بالطبع تقدّم الفرصة لتوصيل أفكار وتجريدات معقدة من دون الاعتماد التقليدي على الكلمات. متجاوزة المشكلة مع الأفلام منذ أن نطقت السينما وهذه الصناعة كانت محافظة تاريخياً ومعتمدة على الكلام، متخذة من المسرحيات ذات الفصول الثلاثة نموذجاً لها. لقد حان الوقت لنبذ الرؤية التقليدية التي تنظر إلى الفيلم كامتداد للمسرحية. إن لم ننظر إلى السينما كوسط بصري أساساً فسوف نخفق في اكتشاف الإمكانيات والاحتمالات العظيمة للوسط.
في بيروت ورغم العقبات الشديدة حوال إنجاز فيلم «تحت سماء حلب» فيقول «صدفة التقيت مجموعة من الشباب السوري افترشوا شارع الحمرا ليعزفوا الموسيقى دون مقابل. لم أستطع تقبل ذلك، ولم أفهم كيف مجموعة من الشباب السوري يعزفون الموسيقى في بيروت فيما الناس تموت في حلب ودمشق ودرعا وحمص. نزلت إلى الطريق واستمعت إلى الموسيقى التي يعزفونهل. وتزامن ذلك مع حملة متطرفة من الإعلام اللبناني عن الشباب السوري يتهمه بها بأنه يشوه الشكل الحضاري للبلد. ورأيت المتعة على وجوه المارة الذين يصادفونهم. رأيت جنسيات مختلفة تقف وتنصت إلى الموسيقى بالإمكانيات البسطية التي لديهم. رأيت ما يشبه مظاهرة موسيقية دون كلمات تحشد جنسيات مختلفة وتقول ان السوري ليس مجرد قاتل أو ضحية. وعندما تعرفت أكثر على هؤلاء الشباب اكتشفت أن العديد منهم كان ممن شارك في المظاهرات. ومنهم من اعتقل، وقد أجبرتهم الظروف إلى مغادرة سورية. وأثناء نقاشاتنا المستمرة بينوا لي، ومن وجهة نظرهم، أن الموسيقى بالطريقة التي يقدمونها هي ثورة.
ويضيف «أثناء التحضير للفيلم أثير في الأوساط السينمائية نقاش محموم حول ما هو سينمائي وما هو وثائقي أو تقريري، وهي مشكلة واجهتني في العمل حول فيلم «موسيقى الشارع» فكيف من الممكن أن تصنع فيلماً سينمائياً في غياب أي دعم مادي وأي جهة منتجة تستطيع انتاج فيلم سينمائي بتكلفة كاملة. ومن العقبات الأساسية التي واجهتني هو خوف الكثير من هؤلاء الشباب، في مرحلة كان يسلم فيها الناشطون في لبنان إلى السلطات السورية، من الظهور في فيلم عن الثورة أو يتعلق بها، وهذا ما جعل إمكانية الغوص في الشخصيات وظروفها مسألة شائكة. حاولت أن أصنع الفيلم في البداية على تكلفتي الشخصية وقد قدمت لي مؤسسة «بدايات» الدعم لإنجاز الفيلم. ومن العقبات التي واجهتني في صناعة الفيلم، سؤال شغل الكثير من تفكير حول شكل الفيلم ومضمونه. ما الذي ينبغي أن أقدمه؟ قضية ومأساة السوريين في لبنان أم فيلم ممتع جميل عن الموسيقى وسط كل الفوضى والدم الذي يسفك. حاولت المزج بين القضيتين، ولا أعرف إن كنت قد لامست أحدهما بحرفية».
رابط المقال: http://www.alquds.co.uk/?p=174531&fb_source=message