سوري يرقص اعتقاله
11/02/2014
يمثل فيلم " 99ْ " تجربة في الاعتقال قضاها المخرج والكريوغراف السوري رواد الزاقوت، حيث سبق للراقص الشاب أن اعتقل بالمصادفة، كما قال ل"المدن"، إثر مداهمة قوات الأمن السورية للبيوت في حي الزاهرة الجديدة في دمشق. لكن الفيلم، الذي أنتجته مؤسسة "بدايات"، لا يقول شيئاً من ذلك، فهو لا يقول كلاماً منطوقاً، بل يروي التجربة رقصاً.
يدور الرقص كله في حلبة محدودة، حيث مكان خراب، ومعتم، ومعزول. يحاول الراقص أن يتسلق الجدار العاري بيدين عاريتين، يتغلب عليه الجدار فيسقط أرضاً. ينهض فيسقط، يعيد المحاولة مرة تلو المرة من غير جدوى، لذلك سيكون الرقص كله أشبه بالترنح، والدوران في المكان ذاته، سيكون الجسد أقرب ما يكون إلى الأرض. معظم حركات الراقص ستكون أقرب إلى حركات جسد معاق، إعاقة يفرضها ضيق المكان، كما يفرضها الجسد المنهك من تكرار المحاولة، ومن تكرار الخيبة أيضاً.
إن مخيلة السجين لا يمكن أن تحدّها جدران، لذلك سيمضي معتقل " 99ْ " بخياله إلى المكان الأوسع، إلى البحر، متوسداً موجة على الشاطئ. لكن إذا سرح الخيال فإن الجسد المعتقل لن يستطيع، ستجد الراقص يعيد حركاته ورقصاته المعاقة حتى وهو حرّ في أحضان المكان الفسيح.
يعود الراقص إلى زنزانته، الرأس يتوسد التراب، فيما تبرق صور خاطفة متتالية، لصورة عائلية، صراخ طفل، مسجد مهدم، بناية مهدمة تجمع الناس حولها بعد القصف، عجوز محارب في استراحة يتناول غداءه فيما سلاحه يستريح على الجدار، أطفال يلعبون على ظهر دبابة، شاب يطلق النار على طائرة من بندقية، جثث على طرف النهر.
بالإضافة إلى تحدي الرقص في مساحة السجن المحدودة، هناك تحدٍّ آخر يخوضه الفيلم، هو غياب الموسيقى كلياً عن الفيلم. هكذا يكون الرقص على إيقاع الأنفاس اللاهثة والمتعبة، صوت اصطفاق الباب المعدني، صوت ارتطام الجسد بمحيطه، أو احتكاكه بالجدار وبالأرض أثناء الرقص، وصوت الموج العالي حين تنتقل الصورة إلى شاطئ البحر. لقد نجح الشريط الصوتي فعلاً (صوت آمن العرند)، كما الإضاءة (ساري مصطفى) والمونتاج (نور الأمين) في أن يكون على قدر الرقص الرفيع المستوى، والتعبير المؤثر عن تجربة السجن. استطاع الفيلم ذلك بأناقة بالغة، من دون أي أثر للتفجع، من دون استعمال ميلودرامي لفظاعات السجن.
أما عنوان الفيلم، " 99ْ "، فيقول المخرج، الكريوغراف الزاقوت إنه أراده أولاً لأن عدد حركاته الراقصة هو 99 حركة، ولأن هذا الرقم هو درجة غليان الماء. لكن يمكن الإضافة فوق ذلك أن حلاوة الرقم في كونه رقماً أحادياً مفتوحاً على بداية خطوة أخرى، بعكس الرقم الزوجي المكتمل، الذي لا يوحي بخطوة، أو بداية أخرى.
لكن لماذا اختار الراقص الشاب أن يقدم تجربته في فيلم، لا على خشبة المسرح كالمعتاد؟ يقول الزاقوت "إن جمهور العرض المسرحي قليل، وأنا أريد أن أوصل فكرتي لأكبر عدد ممكن من الناس. فكانت فكرة الفيلم القصير مناسبة لذلك". كما يؤكد المخرج رغبته في الاستمرار في مجال الأفلام القصيرة. معتمداً دائماً الربط بين الرقص والكاميرا.
إنها تجربة، من بين تجارب فنية سورية قليلة، يمكن القول إنها جهدت لأن تقول المأساة السورية في شكل إبداعي راق، هذا ما بدأ يسمح به انتصار الثورة، وما تسمح به أيضاً المسافة التي يمكن للمبدع أن يتأمل عبرها صورته، وحكايته، من دون انفعال مباشر.
عن موقع "المدن" الالكتروني
http://www.almodon.com/