كان فيديو «بالذبح جيناكم» (3:20 د.) أبرز ما شغل مواقع التواصل أمس. الشريط الساخر الذي تمّ تحميله على قناة «بدايات» على موقع «يوتيوب»، شوهد أكثر من 20 ألف مرّة، خلال أقلّ من 24 ساعة. يبدأ الفيديو باستعادة لشريط عُرض في شباط من العام الحالي، وقيل إنّه صوّر في قرية بنّش في محافظة إدلب (شمال سوريا). ويظهر في ذلك الشريط، طفل ينشد محمولاً على الأكفّ، أحد أناشيد تنظيم القاعدة التي تحرّض على القتل، ويحمل النشيد عنوان «بالذبح جيناكم». بعد عرض فيديو بنّش، يعرض شريط «بدايات» فيديو آخر تمّ تصويره في المزّة (دمشق)، بعد شهرين على شريط «بالذبح جيناكم». وفيه طفل يردّد أغنية تتوعّد بإبادة من يوالي الثورة، وتمجّد الفرقة الرابعة في الجيش السوري.
في فيديو بنّش، يطلّ علينا الطفل بوجنتين ورديتين وابتسامة جميلة، ويبدأ بتمثيل مشهد الذبح بخنجر وهمي وسط تصفيق الحشد الهائج. قام فريق «بدايات» بتحويل مشهد الخنجر الوهمي ذلك إلى رقصة، على أنغام أغنية ساخرة. يصوّر المقطع على خلفيات بالأخضر والأصفر وألوان فاتحة وفرحة، مجموعة من الشبان والصبايا وهم يؤدّون «رقصة خاصة» من «الأنشودة» على أنغام موسيقا التكنو. يقفزون من يمين الشاشة ويسارها مهددين بـ«ذبح»، و«سلخ»، و«قلي» جميع القوميات والطوائف في سوريا. وتشاركهم شخصيّات أخرى، منها لحّام، وسيّدة ترتدي زياً هندياً، وبائع يانصيب عجوز. وتقول كلمات الأغنية: «رح نذبح الشيعة، والإسماعيلية، رح نذبح الكاثوليك، فوق المرشديّة. رح نذبح الأرمن، ونشوي العلويّة، رح نذبح الأكراد، وكلّ الشركسيّة، رد نذبح الدروز، ونحرق كلّ المجوس، رح نذبحهم للسيخ، ونتعشّى بالهندوس. رح نذبح السنة، ونقلي القبيسيّة، رح نسلخ الإنسان، ونمحي البشريّة». وعلى وقع تلك الكلمات المستخدمة هنا في سياق كوميدي ساخر وصادم في آن، يؤدي الراقصون حركة اليد التي تحاكي فعل الذبح. يأخذون منها أساساً يبنى عليه الفيلم، لتتكرر وتتكرر بحيث تفقد معناها. يبدو «الذبّاحون الجدد» شديدي التهكّم والحيوية في ثيابهم الملونة المتدرجة من الزيّ التراثي الدمشقي حتى أكثر الملابس عصرية.
في مقطع تعريفي بالعمل، نقرأ على «يوتيوب»: «أمام فداحة مسؤولية من يصور ويحمّل ويروج لفيديوهات الكراهية والتحريض على القتل، والتلاعب ببراءة الأطفال لغايات ومآرب بشعة، فإن السخرية تبقى من الوسائل القليلة القادرة على مقاومة الكراهية والعنف والقتل والطائفية، بالضحك والفرح والرقص والنقد اللاذع. لقد قام فريق «بدايات» بإنتاج هذا الفيديو الساخر، على أمل أن يستطيع الطفلان أن يعيشا ذات يوم بكرامة وحرية في سوريا الجديدة، حيث لا طغاة ولا كراهية، بل إرادة العيش المشترك في بلد فيه من العدالة والحرية بقدر ما فيه من الفرح والسخرية».
يشرح مكسيم أبو ذياب أحد المشاركين في العمل دلالة «الذهاب إلى الأقصى في سيناريو الذبح»: «المبدأ في تضخيم كلّ شيء أصبح حالة منتشرة بين الشباب السوري للتعامل مع الواقع المريض». ويفسر سبب الانتشار الواسع والسريع للفيديو، بأن «الرومانسيات التقليدية، لا يمكن أن تحمل الناس على التأثر بقسوة الواقع، بحيث تصبح المباشرة والقسوة السبيل الوحيد لتحقيق الهدف».
يختلف الفيديو الغنائي لـ«بالذبح جيناكم»، عن الأعمال الأخرى المنشورة عبر قناة «بدايات» على «يوتيوب». تحوي القناة أفلاماً تسجيلية قصيرة، ذات أبعاد إنسانية وإشارات سياسية واضحة، ضمن محاولة للتركيز على بعض الشخصيات الاستثنائية في الحدث السوري، بين حلب وحمص ومخيم اليرموك وأماكن اللجوء خارج سوريا. الباعة الجوالون تحت النار، هم أبطال فيلم «بعدنا طيبين» للمخرج عروة المقداد، المعروض على القناة. يصوّر الشريط ومدّته خمس دقائق، كيف يستمر بعضهم ببيع الكبة المشوية والخضار تحت القصف، وفي ظل الاشتباكات. أحد الباعة يتحدث كيف أنّه يبيع الحلويات الشعبية في الصباح، والمصابيح الضوئية في المساء، في إشارة رمزية شديدة الدلالة عن واقع الحال المتقلّب بين نهار حلب وليلها. يترك معدّو الفيلم أصوات الضجيج والتشويش من دون تنقية، لنقل الانطباع حجم الضغط والخوف الذي يغلف حياة الباعة أثناء أداء عملهم.
في فيلم قصير آخر بعنوان «حلم الوحوش القويّة» تأخذنا المخرجة لينا العبد، في رحلة قصيرة إلى منامات الأطفال السوريين اللاجئين في مخيّم شاتيلا (بيروت). لا نرى وجوه الأطفال في البداية، بل نسمع قصصهم والكاميرا تمرّ على مشاهد من الحياة داخل المخيّم. أحدهم يحلم بعنكبوت، والآخر بمصاصي دماء. هناك طفلة تحلم بنسر يحميها، ويحلم طفل آخر بأنّه يضرب كرات نار على المجرمين والأشرار. تتقاطع كلّ تلك القصص كأنّها جزء من «كابوس واحد».
حقق فيديو «بالذبح جيناكم» انتشاراً ملحوظاً خلال ساعات من تحمليه على الشبكة، واستطاع استقطاب اهتمام كثر، داخل سوريا وخارجها، خصوصاً أنّ خطابات الإلغاء والكراهية باتت سمةً مشتركة للعديد من الدول العربيّة. قد يؤخذ على الشريط اختياره الرد بنفس خطاب «المكوّنات»، لكنّه على العكس، لا يتضمّن أيّ حسّ إلغائي، بل يحاول أن يوجّه رسالة شديدة الوضوح والأهمية: مبدأ إبادة «الأجزاء» تعني إبادة «الكل»، أو كما تختم الأغنية: «رح نذبح الإنسان ونمحي البشرية!».
قد يكون الإنجاز الأكبر لصُنّاع الفيديو من فريق «بدايات» قد نجاحهم في قلب الأدوار، وتحويل ثقافة الكراهية، ومن يروّج لها من متطرفين، إلى ما يشبه «مزحة ثقيلة»... لا يمكن أن تصير واقعاً.
عن جريدة السفير اللبنانية
رابط المقابلة