بعيدًا عن السينما الوثائقية السورية التي تصاعد الاشتغال عليها بشكل أكبر مما كانت عليه قبل آذار/مارس 2011، في مقابل انحسار سينما الأفلام الروائية الطويلة، يقدم المخرج السوري عامر البرزاوي في شريطه السينمائي القصير "يمان" المصور بتقنية "ستوب موشن"، والتي يمكن اعتبارها من التقنيات الجديدة المستخدمة في صناعة الأفلام القصيرة في سوريا، صورة مختلفة لما يقدم عن الأطفال السوريين في أشرطة السينما الحالية.
"أنا يمان... مخترع"، بهذه الكلمات يعرف يمان صاحب الأحد عشر عامًا عن نفسه، ليبدأ بعدها روايته لإحدى الأفكار التي راودته في حلمه، وهي صنع آلة تمكنه من تحويل ورق المحارم من حالة ساكنة إلى حالة متحركة للدفاع عن نفسه، إلا أن صديق يمان يوقظه من حلمه عندما يسأله عن عائلته، في هذه اللحظة يتوقف المخترع الصغير عن الكلام، ويتذكر أن عائلته ماتت تحت القصف، ثم يتحدث بصوت آلاف الأطفال السوريين الذين شردتهم مخيمات اللجوء، وحرموا من ممارسة تعليمهم، "أنا يمان... عمري 11 سنة... وصرلي سنتين عم بيع محارم... وبتمنى كون مخترع"، ينتقل بعدها البرزاوي عن طريق الفلاش باك إلى مشهدٍ خارجي، يصور يمان مختبئًا في إحدى الحدائق داخل كرتونة، وبيده كيس مليء بأكياس ورق المحارم.
في نظرة سريعة على النص، يمكن القول إن البرزاوي كان قريبًا إلى حدٍ ما من قصص الأبطال الخارقين في أفلام الرسوم المتحركة مثل سلسلة "سبايدرمان"، ما سهل عليه إخراج الفيلم بتقنية الـ "ستوب موشن"، وهي تقنية تمكن المخرج من رسم الشخصيات، وتصويرها بلقطات فوتوغرافية متسارعة، ومن ثم يتم تحريكها، ما يتيح للمشاهد الفرجة على الشخصيات وهي تتحرك.
فالفيلم الذي أنتج بدعم من "بدايات للفنون السمعية والبصرية" بالتعاون مع "معجونة للفنون البصرية"، هو نتاج ما يقارب 3000 صورة من أصل 5000 صورة، تم تصويرهم بفترة زمنية لا تتجاوز الخمسة عشر يومًا، بدأت بعدها عملية المونتاج الإكسسوار الفني، قبل أن يظهر في صورته الأخيرة بمدة لا تتجاوز أربع دقائق وخمس ثوان.
كذلك السينوغرافيا المشتغلة في الفيلم، من صناعة فرح بيرصلي وعمار خطاب، والتي استهلكت شهرًا كاملًا في التصميم، اعتمدت على معدات بسيطة في تصميم غرفة يمان، مثل الكرتون وورق الجرائد والأشغال اليدوية والألوان المائية، استطاعت أن ترسم لوحة فنية جديدة يمكن إضافتها كوثيقة لرحلة ما بعد الحداثة السورية، كصديق يمان الذي يقيم معه في الغرفة، وهو عبارة عن تشكيل لوجه من معجون، أو خروج المياه بطريقة سريالية من الصنبور، هذه اللقطة لوحدها استهلكت 1000 صورة، تم اختيار عددٍ محدود منها للقطة الظاهرة في الفيلم، وهنا علينا ألا ننسى دور سيمون أبو عسلي في الموسيقى المرافقة للشريط.
ولعل الشخصية الحقيقية لبطل الفيلم يمان الحلبي، كانت من أحد أهم العوامل المساعدة في نجاح العمل، إذ إن الطفل هو في الحقيقة مخترع، ولديه نظام خاص في عمليات البرمجة الإلكترونية باسم "نظام يمان للحاسوب"، يعمل على سبع لغات برمجة.
فالبرزاوي يقدم محاكاة لواقع الأطفال السوريين المشردين في مخيمات اللجوء، بعد أن فقدوا تعليمهم وعائلاتهم في ظل الحرب الدائرة في سوريا، بالاتكاء على تقنية الـ "ستوب موشن"، والتي تعتبر عاملًا مساهمًا بشكلٍ أو بآخر، في إيصال صوت الأطفال الذين بترت أحلامهم للعالم الخارجي بطريقة أسهل، إذ إن الشريط حصد ما يقارب 7300 مشاهدة على موقع يوتيوب في مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام من تاريخ نشره.
نهايًة، لا بد من الإشارة إلى أن هذه التجربة الثانية لعامر البرزاوي مع تقنية الـ "ستوب موشن"، بعد تجربته الأولى في عمل "fade to black" منذ ما يقارب الخمسة أشهر، إنتاج مستقل، بالاشتراك مع فرح بيرصلي وعمار خطاب، والحائز على جائزة التحكيم الخاصة ووسام الشرف في مهرجان Toronto urban film لعام 2015.