مقال عن فيلم"حب في الحصار" في "المدن" بقلم روجيه عوطه
29/12/2015
الكاتب: روجيه عوطة
لا يحيل الفيلم القصير لمطر اسماعيل، "حب في الحصار" (إنتاج بدايات)، إلى صورة عن التهلكة والإدقاع. بل أن المحنة فيه، وهي الحصار المستمر الذي يضربه نظام بشار حافظ الأسد على جنوب دمشق منذ أكثر من عامين، مُسجلة على سبيل غير مضر بالماكثين بها. فلم يستولِ السكون على المحاصرين، وهم في الفيلم أسرة واحدة، ولم يجمدوا بفعل إكراههم على الجوع والعطش، كما أن خور البقاء وشحّ مقوماته لم يكسرهم. فقد أدركوا أن الوجوم في وضعهم يرادف انهزامهم، مثلما أن انقطاعهم عن الحركة يساوي امتثالهم. غير أنهم، وبحسبما جاؤوا أمام الكاميرا، لم يتوقفوا عن بناء طرقهم إلى الوجود، ولو في حده الأدنى، ولم يتوقفوا عن النظر إلى المُتاح وتحويله إلى سلاح تَحُمل.
في منزل أم وسيم، تلتلقط العدسة أشياء وأغراضاً كثيرة، قبل أن تلتقط صانعيها الذين يواظبون على تركيبها والإستفادة منها. ومن بيتهم، تخرج الكاميرا إلى الشوارع شبه المقفرة، ثم إلى حيز الحصول على المياه من خزاناتها. في هذه اللحظة، يبدو الفيلم كأنه يسرد قصة الماء الشحيح، الذي يسيل قليلاً من الحنفيات على الرؤوس والأيدي، وعلى الرغم من قلته، يواصل الأطفال الضحك في إثر الترويح عن أنفسهم به. على هذا الأساس، يظهر وسيم مع أخته رنيم وأخيه وسام، كأنهم لا يبالون بالعطش المكرهين عليه، بحيث يتعاملون مع الماء للإغتسال واللعب أيضاً. إذ يمضون أيامهم على لا-إكتراث بما قد يقع فيها، ذلك، أنهم أصبحوا على إحتكاك بمجالهم، وحيثياته، ويدركون كيف يبدعون حياتهم انطلاقاً منها.
الحب في الحصار، هو بمثابة إطاحة به، أو بمعناه على وجه الدقة. فبدلاً من أن ينتج تعطيشاً وتجويعاً، وبالتالي، قتلاً دائماً، يضرب المحاصرون مُعاشهم عليه، أي أنهم يحاصرون الحصار بمواصلتهم البحث عن سُبل للحياة وللإلتقاء بها. وهذا ما تشير إليه الكاميرا التي تصور أم وسيم في حين تحضيرها الطعام، الذي كانت، وعلى قول طفلها، قد اخترعت وصفته. وقد جلبت عناصره من كل حدب وصوب، بحيث أنها فتشت عنها في كل مكان، لتقع على علبة سمنة في إحدى الحاويات. المشهد، وكلامه، قاسٍ، لكنه، على مقلبه الآخر، يدل على كون أم وسيم تواظب على البحث عن عناصر الممكن، قبل أن تطبخه وتنضجه على نارٍ، أشعلها أبو وسيم بعد أن مزق لوحاً من البلاستيك وقطعه وجعله حطباً.
ثمة في الفيلم تشكيل للرغبة في الحياة، للسعي الحثيث إليها، أكان عبر السلوك، من خلال تعامل أعضاء الأسرة مع بعضهم البعض، أو عبر الكلام، من خلال التأكيد على علاقاتهم، أو عبر التعاطي مع الأشياء والأغراض. وفي هذا المطاف، تسجل الكاميرا أشكال الإمكان الحياتي واحتمالاته، من الخزان إلى الإبريق، وبينهما، الأواني والملاعق إلخ. فنتيجة الحصار، يبرز كل غرض أو شيء كأنه شكل من أشكال البحث عن الحياة، وأولها تحديداً، أي البقاء. فكل حركة تحت حصار الأبد هي عبارة من عبارات المقاومة، التي يمارسها المحاصرون كأنها أسلوب استقرارهم.
ذلك، أنهم، وعلى طول الفيلم، وعند كل فعل يقدمون عليه، يقولون "يسقط الحصار، ونظامه وعالمه"، ويكملون العيش أمام الكاميرا وخارجها على المنوال ذاته. فالأخيرة لم تمتلك وطأة على مُعاشهم، بل أنها رافقتهم في مسارهم اليومي، بدون أن تضع في إطار مقفل. لقد صورتهم بأعينهم، وتنقلت معهم بحسب حركتهم، التي تبحث عن الماء، بوصفه دفق الحياة، وإن لم يجدوه، تبدأ السماء بإمطاره عليهم. فلا يسرعون إلى المنزل، ولا يهرعون إلى مأوى من جراء المطر المنهمر، يبلغون المسكن بحركتهم المعتادة، وما أن يصلوا إليه، يجلسون حول المدفأة، مخترعين اتقاءهم من البرد.
رابط المقال على موقع المدن: http://www.almodon.com/culture/1a7cf8c9-3b7a-4f0c-98f0-f7408f2fc401