الحرب والسينما توازي عدسة الكاميرا وعدسة القنّاص. إخراج سعيد البطل وغيّاث أيّوب "لسّه عم تسجّل" هو عبارة عن نظرية سينمائية وتحقيق مذهل عن الثورة السورية. فاز الفيلم بجائزتين رئيسيتين في "أسبوع النقاد" في مهرجان البندقية.
سعيد شابّ محبّ للسينما، يحاول أن يعلّم شباب الغوطة الشرقيّة قواعد التصوير، ولكنّ الحقيقة التي يواجهونها هناك هي أقسى من أن تخضع لأيّة قاعدة.
أمّا صديقه ميلاد فكان يسكن في دمشق، بعيدا عن المواجهات، ليكمل دراسة الفنون. صديقه ميلاد على الجانب الآخر من دمشق الخاضعة لسيطرة النظام، يتابع دروسه في كلية الفنون الجميلة، لكنه يقرر أن ينضمّ إلى سعيد في دوما المحاصرة، حيث أنشآ سويّة الى جانب أصدقاء آخرين، محطّة راديو محليّة واستوديو تسجيل. ظلّت الكاميرا بين أيديهما يصوّران فيها كلّ شيء إلى أن صورتهما ذات يوم.
"لسّه عم تسجّل" يبدأ بمحاضرة عن السينما، غالبًا في دمشق، حيث كان الأستاذ يشيد بالسينما الأميركيّة ومقدرتها على احترام منظور المشاهد وقوانين النسبة الذهبيّة. يتحدثون في إحدى اللقطات عن الانسان البتروفي، فيمكنك تقطيع مفاصل الجسم وتقطيع الصور مع احترام قواعد النسب في الانسان البتروفي فقط.
هذه المقدّمة مهمّة جدّا لأنّ الفيلم لا يحترم أيّ من هذه القوانين السينمائيّة. لا يهمّ إن خسرت الكاميرا تركيزها، أو قطعت الصورة وجه الثائر. ما يهمّ في ساحة المعركة هي الصورة الملموسة والحقيقة بخلاف الأفلام الأميركيّة حيث جميع الصور مجرّدة. بالنسبة لسعيد، "صناعة الأفلام هي مسألة حياة أو موت".
يذهب صانعو الأفلام إلى المعركة مع رفاقهم الثوّار ضدّ حكم الأسد. في كل معركة تعيشُ مدركًا أنّه يمكنكَ أن تموتَ في أيّ لحظةٍ "بدّي موت موت بس بدّي موت وأنا مبسوط". في الواقع ، مات بعض المصورين في ساحة المعركة.
بالإضافة إلى ذلك، شباب من دوما يتعلّمون عن عدسات التصوير وكيفيّة ضبطها اليدويّ وحين يستشهد صديقٌ لهم يختارون ألّا يصوّروا وجهه. كما ويدور المصوّر بالكاميرا لأكثر من دورة كاملة على أصدقائه النائمين، كما لو أنّ أجسامهم أصبحت جسدا واحدا.
وفي لقطةٍ أخرى، تتحوّل قواعد نسبة قطع الصورة للجسم حسب الانسان البتروفي إلى قطع وأشلاء أجسام المقاتلين في المعركة. وكما يقول الطفل إنه رأى - بعد الانفجار - قِطعَة من جسد مشوهة الشكل وأنّ شخصا ما ألقى بها في حاوية المهملات.
"لسّه عم تسجّل" هو أيضا مبادرة من أجل نزع فتيل الحرب... مكالمة هاتفية لقناص يتحدث مع أمّه، بينما يستهدف ضحيّته الجديدة، وكل هذه النكات والمزاح عن الأسد. هم شباب عاديون يريدون أن يعيشوا ليس إلّا، أن يشرّبوا، ويقبّلوا الفتيات، كما لو أنّهم يحاولون تقليد فيلمSpring Breakers أو فيل Verão Danado، لكنّ الحرب دائما قريبة، على بعد خمسة وعشرين أو خمسين مترا، إنّها في كلّ مكان، إنّها قوّة مدمّرة لا تكلّ ولا تملّ.
ولهذا السبب فإنّ الحوارات عديمة الجدوى ومثيرة للسخرية - مثل الجدل عبر اللاسلكي بين الثائر وجندي الأسد. هذه الحوارات هي محاولة عابثة لإيجاد طريقة لتخفيف وطأة الحرب عن أنفسهم، كما لو أنّها كانت مسلسلا تلفزيونيا.
لا شيء يمكن فعله، فالحرب تقتل فجأة ولا تترك مهربا كما نشاهد في نهاية الفيلم الصادمة حيث يموت المصوّر كما يحصل في فيلمThe state of things لويم ونديرس.