مقابلة "بدايات" مع عروة المقداد مخرج فيلم "شارع الموسيقى"
18/03/2014
مقابلة "بدايات" مع عروة المقداد مخرج فيلم "شارع الموسيقى"
18/03/2014
- كيف جاءتك فكرة الفيلم؟
عدت من حلب إلى بيروت محموماً بذكرى الأصدقاء الذين استشهدوا في القنبلة العنقودية التي ألقتها طيارة للجيش السوري فوق حي الشعار في مدينة حلب المحررة، استشهد على إثرها 5 شهداء وأصيب 35 جريح. وإلى الآن لا تفارق ذاكرتي ملامح الشهيد صلاح من مدينة السويداء وهو يغني مع مجموعة من الشباب السوريين أمام مركز الأطفال، حيث أمضوا معهم ظهيرة يوم رأس السنة لكي يسلو عنهم ألم القصف والحصار: هي يا شباب سورية .. جيناكم لاتسبقونا.
في بيروت رحت أحاول رغم العقبات الشديدة إنجاز فيلم "تحت سماء حلب" وصدفة التقيت مجموعة من الشباب السوري افترشوا شارع الحمرا ليعزفوا الموسيقى دون مقابل. لم أستطع تقبل ذلك، ولم أفهم كيف مجموعة من الشباب السوري يعزفون الموسيقى في بيروت فيما الناس تموت في حلب ودمشق ودرعا وحمص. نزلت إلى الطريق واستمعت إلى الموسيقى التي يعزفونها. وتزامن ذلك مع حملة متطرفة من الإعلام اللبناني عن الشباب السوري يتهمه بها بأنه يشوه الشكل الحضاري للبلد. ورأيت المتعة على وجوه المارة الذين يصادفونهم. رأيت جنسيات مختلفة تقف وتنصت إلى الموسيقى بالإمكانيات البسطية التي لديهم. رأيت ما يشبه مظاهرة موسيقية دون كلمات تحشد جنسيات مختلفة وتقول أن السوري ليس مجرد قاتل أو ضحية. وعندما تعرفت أكثر على هؤلاء الشباب اكتشفت أن العديد منهم كان ممن شارك في المظاهرات. ومنهم من اعتقل، وقد أجبرتهم الظروف إلى مغادرة سورية. وأثناء نقاشاتنا المستمرة بينوا لي، ومن وجهة نظرهم أن الموسيقى بالطريقة التي يقدمونها هي ثورة.
- ما هي ظروف صناعتك للفيلم والتحديات التي واجهتك؟
أثناء التحضير للفيلم أثير في الأوساط السينمائية نقاش محموم حول ما هو سينمائي وما هو وثائقي أو تقريري، وهي مشكلة واجهتني في العمل حول فيلم "موسيقى الشارع" فكيف من الممكن أن تصنع فيلماً سينمائياً في غياب أي دعم مادي وأي جهة منتجة تستطيع انتاج فيلم سينمائي بتكلفة كاملة. ومن العقبات الأساسية التي واجهتني هو خوف الكثير من هؤلاء الشباب -في مرحلة كان يسلم فيها الناشطين في لبنان إلى السلطات السورية- من الظهور في فيلم عن الثورة أو يتعلق بها، وهذا ما جعل إمكانية الغوص في الشخصيات وظروفها مسألة شائكة. حاولت أن أصنع الفيلم في البداية على تكلفتي الشخصية وقد قدمت لي مؤسسة "بدايات" الدعم لإنجاز الفيلم. ومن العقبات التي واجهتني في صناعة الفيلم، سؤال شغل الكثير من تفكير حول شكل الفيلم ومضمونه. ما الذي ينبغي أن أقدمه؟ قضية ومأساة السوريين في لبنان أم فيلم ممتع جميل عن الموسيقى وسط كل الفوضى والدم الذي يسفك. حاولت المزج بين القضيتين، ولا أعرف إن كنت قد لامست أحدهما بحرفية.
- كيف تنظر لتجربتك هذه وهي ليست الأولى في مجال صناعة الأفلام؟
أعتقد أن تجربتي قيد التبلور وهي تحاول أن تشق طريقها لاختيار اللغة السينمائية التي تعبر عما أفكر به وما تأثرت به خلال الثلالث سنوات. الثورة مسألة متعلقة بكل جوانب الحياة ومنها السينما، والتحدي الآن كيف من الممكن أن تعبر السينما عن الثورة التي مررنا بها طيلة الثلاث سنوات. والمشكلة أن تجربتي كما تجربة الكثير من الشباب تقيم وتضع ضمن أطر مسبقة وخصوصاً بعد ظهور موجة من الاستعلاء من بعض المثقفين ، وتحديداً السينمائيين حول بعض التجارب السينمائية التي أنتجتها الثورة. تعالي في تصنيف النتاج على أنه سينمائي بمعنى القيمة الجمالية وتقريري على أنه ابن مرحلة عابرة. وبالفعل هناك الكثير من التجارب التي تظهر الآن لا يعول عليها، ولكن من المفروض دعم هؤلاء المثقفين والسينمائيين لنا وإتاحة الإمكانية بأن نعبر عن مرحلتنا، وليس أن نخوض حروب إثبات ذات وإقصاء تهدم من تجربة الكثير من الشباب. الثورة قدمت فرصة لي لأقف أمام ذاتي عند أول لحظة حملت فيها كاميرا لأصور مظاهرة. لاحقاً تحولت التجربة إلى نوع من تعرية الذات، في مواجهة كل المخزون الوجداني الذي بني خلال الثلاثين سنة التي مضت. تعرية للذات تصدم بالكثير من المشاعر الخاطفة التي لا تجعلنا أحياناً على مسافة من الحدث لنفكر فيما هو خارجي. فتارة ما يبدو أسطورياً قد يبدو تابوها مكررا سواء في السينما أو الأدب أو مختلف الفنون الآخرى، وهذا متعلق بكثافة التجربة والزمن الذي تتعرض له. يحضرني محمود درويش بقصيدة سجل أنا عربي، التي قال عنها أنه لو أتيحت له الفرصة لما نشرها. لزمه الكثير من الوقت لينشر الجدارية التي تعتبر النص الانساني الملحمي الذي لم يعد يصنف وفق قضية أو قناة. ومن هنا فإن محاكمة التجربة ينبغي أن تعطى وقت وأن لا يصرعها شكل التقييم الذي خلقه النظام طيلة الأربعين سنة الماضية وهي هالة المثقف "الإنتلجنسيا" والتي تضعه في مكان أعلى وأسمى من الجميع وهذا حال كثير من مثقفي وسينمائيي "الثورة". تجربتي تشق طريقها كما أسلفت ولكنني كما الكثير من الشباب الذي يفتقد إلى الدعم الحقيقي وتبني وجهة النظر، نجرب ونتعلم في واحدة من أقسى الظروف التي من الممكن العمل بها، ليس بهدف الربح المادي أو الشهرة وإنما من أجل التعبير عن هذه المرحلة التاريخية المعقدة التي نمر بها بصورة مختلفة عما يقدمها الإعلام المسيس والمأجور.