06/02/2014
تحديد مفهوم الفيلم الوثائقي:
لا يزال الخلاف إلى الآن قائماً حول تعريف الفيلم الوثائقي "Documentary Film" وتحديد ماهيته. هناك تعريفات عديدة له عبر مراحل تطور السينما في العالم، منها ذلك الذي قدمه الاتحاد الدولي للأفلام الوثائقية 1948 حيث عرفه كالتالي: هو "كافة أساليب التسجيل على فيلم لأي مظهر للحقيقة يتم عرضه إما بوسائل التصوير المباشرة أو بإعادة بنائه بصدق وعند الضرورة .وذلك لحفز المشاهد إلى عمل شيء أو لتوسيع مدارك المعرفة والفهم الإنسانية أو لوضع حلول واقعية لمختلف المشاكل في عالم الاقتصاد أو الثقافة أو العلاقات الإنسانية. وهو نوع من الأفلام غير الروائية التي لا تعتمد على القصة والخيال، بل يتخذ مادته من الواقع سواء أكان ذلك بنقل الأحداث مباشرة كما جرت في الواقع .أم عن طريقة إعادة تكوين وتعديل هذا الواقع بشكل قريب من الحقيقة الواقعية".
بينما جاء الناقد والمخرج الوثائقي الاسكتلندي جريرسون "Grierson John" بمواصفات محددة للفيلم الوثائقي في مقال نشره في جريدة "The New York Sun" الأمريكية سنة 1926، لتمييزه عن غيره من الأفلام الروائية، معتبراً أن الفيلم الوثائقي هو "المعالجة الخلاقة للواقع":
"1- يستمد الفيلم الوثائقي ومادته من واقع المكان (الذي يتم فيه التصوير) ومن واقع الحياة (أدوار الأشخاص الحقيقية وليست المفبركة).
2- التمييز بين الوصف والدراما أي التمييز بين الأسلوب الذي يقتصر على مجرد وصف القيم السطحية للموضوع والأسلوب الذي يكشف عن دقائق الأمور، وبصفة فعالة.
3- اختيار وتنظيم المادة المستمدة من واقع الحياة وترتيبها وتقديمها للمتلقي بأسلوب فني يعكس وجهة نظر مخرج الفيلم، بمعنى الوصول إلى المعالجة الخلاقة للواقع، وتقديم رؤية القائم بالاتصال في موضوع معين لجمهور مستهدف معتمداً على الواقع والحقيقة.
4- لا يهدف إلى الربح المادي، بل يهتم بتحقيق أهداف في النواحي التعليمية والثقافية أو حفظ التراث والتاريخ.
5- يخاطب عادةً فئة أو مجموعة معينة من الجمهور.
6- يتسم بالجدية وعمق الدراسة."
إلا أن هذا التعريف لم يستطع تحديد ماهية الفيلم الوثائقي. فذهب البعض إلى القول أن الفيلم الوثائقي هو غير الروائي/ ليس خيالياً "non-fiction" اصطلاحاً، على اعتبار أن الفيلم الروائي يطلق عليه بالانجليزي "Fiction". ويجدر بالذكر أن الكثير من المختصين حديثاً يتوافقون على تحديد الأفلام الوثائقية "Documentaries" بأنها أفلام تقدم مواضيعها عن الحياة الواقعية؛ لكنها ليست الحياة الواقعية بحد ذاتها، أي ليست نسخة عنها. وليست حتى بنوافذ مفتوحة على الحياة الواقعية، بل هي بورتريهات لها. فالأفلام الوثائقية تستخدم الحياة الواقعية كمادة خام يقوم ببنائها الفنانون والتقنيون من خلال اتخاذ قرارات مهمة حول أية قصة سيحكونها ولمن، ولأي هدف، وكذلك قرارات بشأن أسلوب التصوير والمونتاج. بمعنى آخر الأفلام الوثائقية هي وجهة نظر الفنان الخاصة للحياة الواقعية.
نبذة تاريخية عن الفيلم الوثائقي:
لقد استخدم الفرنسيون مصطلح "Le film documentaire"، منذ ظهور اختراع "لويس لوميير" لجهاز التقاط وعرض الصور السينمائية المتحركة سنة 1895. كان ذلك في البداية لتصوير فيلم الرحلات، حينها كان المصورون يقومون بذلك بهدف توثيق أوجه نشاطهم، وتسجيل مشاهداتهم، لإعادة عرضها على الأهل والأصدقاء من قبيل التذكار. بينما تعتبر سنة 1923 المرة الأولى التي استعمل فيها مصطلح أو مفهوم الوثائقي، وذلك للتعبير عن كل فيلم يستمد مادته من الوثائق المأخوذة من الواقع.
منذ بداية سنة 1949، تم استخدام مصطلح "Documentariste" (الوثائقي) وهو الاسم الذي يطلق على السينمائي الذي يخرج أفلاماً وثائقية. وقد اعتبرت هذه السنة "1949"، السنة التي انتشر فيها الفيلم الوثائقي بشكل كبير، وظهرت العديد من الأفلام الوثائقية التي تروي قصصاً، وأحقاباً تاريخية، وبدأ بعدها الفيلم الوثائقي يأخذ أبعاده كعلم مستقل بذاته، وكفن له مبدعوه.
كما سمي الفيلم الوثائقي عبر مراحل تطوره بالفيلم التعليمي وبالفيلم العلمي وكذلك بالفيلم التدريبي لتتم تسميته في ما بعد من قبل جريرسون كما سبق وذكرنا بالفيلم الوثائقي "Documentary Film".
المراجع:
Documentary film: Patricia Aufderheide, Oxford University press, New York, 2007
Le regard documentaire : Jean-Paul Colleyn, Bulletin des bibliothèques de France, 1994