في الصحافة

عن فيلم "الآن: نهاية الموسم" في القدس العربي

05/10/2016

الآن: نهاية الموسم، فيلم وثائقي يرصد الانتظار السوري في البحث عن منجاة

الكاتب: رند صباغ

 

برلين ـ رند صباغ: لم يكن المخرج اللبناني أيمن نحلة بحاجة للكثير من الكلام ليوصل جزءا كبيرا من حكاية سوريا، تلك التي إن عرفنا بدايتها، فلا أحد يستطيع التنبؤ بنهايتها، فصل من الحكاية قد يطابق مراحل كثيرة منها، ويشرح من دون لغو أو صورٍ قاسية هول المأساة، ومن له عينان ليرى، فليشهد.

 

يفتتح نحلة فيلمه «الآن: نهاية الموسم» بمشهدِ للسياح في تركيا وهم يستمتعون على أطراف جبل الملح، لينقلنا بالصور تدريجيا إلى إزمير بعد كيلومترات قليلة فقط، فيبدأ ببناء صورته شيئا فشيئا، حتى يسافر بك كل كادر إلى بعد جديد من أبعاد الحكاية، وهو يزيد تدافع الأسئلة نحو رأسك بشكل متسارع.

 

تبدأ صور إزمير بحقيبة مدرسية فارغة ومرمية في الشارع تحمل شعارا نصف ممحي لليونسيف باللغة العربية، وكأنها تختصر عجز العالم عن حماية أطفال سوريا، وفشل المنظومة الدولية. أطفال انتظروا مدارس يدخلونها، فوجدوا أنفسهم يدخلون البحر.

 

تزداد عناصر الكادر لقطة تلو الأخرى، لتبني الصور الكاملة، بين رجل ينتظر في العراء وحده، إلى تجمعات أكبر، بورتريهات لعائلات تستعد للرحيل، جولة في أسواق المدينة التي تقول علانية بأنها نقطة الانطلاق، فستر النجاة ودواليب السباحة تملأ المتاجر، حيث يجربها الهاربون قبل رحلتهم، بعضهم بوجوه متجهمة ومرتابة، وبعضهم بضحكات تخفف عنهم وطآة ماضٍ قريبٍ دامٍ، ومستقبلٍ مجهول قد لا يستمر لأكثر من ساعات!

 

اللافت في فيلم «الآن: نهاية الموسم» عدم اعتماده كمعظم الأفلام التي ترصد (سِفرَ الخروج) السوري بالتركيز على معاناة ركوب البحر وعبور الحدود، ومشاهد الغرق المؤلمة، حيث يرى نحلة في رصده للمرحلة السابقة بأنها «المرحلة الأصعب، لأنها بداية فعل المقامرة بالحياة، كما قامر بهم من قبل حافظ الأسد»، ويضيف: «لقد التقطت الفعل كما حصل من دون أي إضافات، ومن ثم حاولت أخذ مسافة منهم (اللاجئين السوريين) احتراما لهم وخوفا من التدخل بخصوصياتهم». كل شيء يسير بطيئا من دون ملل في عشرين دقيقة، يرافقها صوت آخر عن الانتظار، من عام 1985، حيث وظف المخرج مكالمة جرت بين الرئيس الأمريكي في حينها دونالد ريغان، وحافظ الأسد، ترك فيها ريغان الأسد في الانتظار لأكثر من ربع ساعة، فيما نسمع أصوات موظفي السنترال وهم يتحدثون لتنسيق المكالمة. هذا الانتظار الذي ربطه نحلة من خلال توظيف سياسي مباشر لشكل المكالمة التي كانت الأولى من نوعها بين رئيس سوري ونظيره الأمريكي، والتي أتت عطفا على مساهمة المخابرات السورية في إطلاق سراح مراسل أمريكي كان قد تم اختطافه من قبل حزب الله اللبناني في بيروت، يقول المخرج: «إن حافظ الأسد ودونالد ريغان كانا الأساس في هذه الأزمة في الشرق الأوسط، فحافظ الأسد كان يرتكب فظائعه في المنطقة وفي سوريا، أما ريغان فكان أول من غير السياسة الأمريكية حيال الشرق الأوسط»، كما يلفت نحلة إلى الرابط الرمزي المتعلق بالانتظار الآني لهؤلاء الناس: «كما انتظر الأسد ريغان ليرفع سماعة الهاتف، يقبع آلاف في إزمير بانتظار المهرب حتى يتصل بهم ويعلن الانطلاق»، انتظار حافظ الأسد انتهى بتشريعه دوليا ومساهمته في سقوط الشرق الأوسط، شرعيةٌ منحت لابنه من بعده، وخسرها شعب ينتظر قوارب الحياة والموت فسماه العالم بغير الشرعي.

 

ينتهي الفيلم مع السياح وهم يعبرون فوق بحيرة الملح، أقـــــدامهم تسير واثقة في المياه، تلك التي ربما ستأكل راكبيها بعد دقائق.

 

الفيلم من إنتاج «بدايات» عام 2015، وتم عرضه في عدد من العروض والمهرجانات المهمة حول العالم، منها مهــــرجان برلين السينمائي (برلينالي) ومهرجان (سينه إيست) في برلين أيضا، بالإضافة إلى عروض جارية في لبنان، وأخرى مقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل.
 

رابط المقال على موقع القدس العربي: http://www.alquds.co.uk/?p=607160

المشاركة
عرض المزيد