في الصحافة

بالذبح جيناكم - بقلم ديانا مقلد

28/04/2013

قبل أشهر انتشر نشيد منسوب لجبهة النصرة وعنوانه «بالذبح جيناكم» ويحوي تهديدات مغناة بالذبح والقتل. رد شاب سوري بأغنية مستوحاة من نشيد «النصرة» فاستعمل كلماتها المرعبة وعممها على كل الطوائف والأعراق خاتما إياها بجملة رح نسلخ الإنسان و نمحي البشرية 

من أي مخيلة مشوهة استوحى شبان وفتية مدينة طرابلس اللبنانية فعلة سوق رجل سوري علوي في وسط المدينة بعد إشباعه ضربا وتنكيلا في الطرقات وهو نصف
عار مكبل بالحبل حول رقبته وعبارات مهينة خطت على جسده.
 

لم توح أعمار من ساقوا ذلك الرجل في وضح النهار بأنهم جاوزوا العشرينات من عمرهم بل إن منهم من كان أصغر من ذلك بكثير. والأخطر أن الشبان مارسوا عنفهم على الرجل بشكل جماعي وعلني أمام الكاميرات بوصفه فعلا محمودا أو بصفته «عدالة» كما تردد. حين شاهدت هذا المشهد اللاإنساني استذكرت واحدة من اللحظات المؤلمة المصورة التي ميزت السنة الأولى من الثورة السورية حين اقتيد مجموعة من المعتقلين وأخرجوا من سيارات الأمن وهم عرايا إلا من ملابسهم الداخلية ومكبلون بالحبال من أعناقهم وأيديهم يساقون كسلسلة بشرية فيما يكيل لهم الأمن السوري اللعنات واللكمات.
 

هل استوحى الفتية الطرابلسيون ما أقدموا عليه من ذاكرة حديثة أشبعت مشاهد قتل وتعذيب على مدى أكثر من عامين! وهل زاد من فظاعة المشهد الطرابلسي بؤس حال المدينة المزمن وتعقيدات واقعها. سبق أن شهدنا في لبنان فيديو لشبان من الضاحية الجنوبية يهينون نازحا سوريا بائسا ويجبرونه على وشم جبينه بكلمة «يا حسين» فيما أقدم بعض آخر بعد مدة على ضرب وحلق لحيتي شيخين من السنة، إنه ذلك العنف الذي بات يتكرس بشكل جماعي تحت شعار أن هذا الشر الممارس بحق الآخر هو «عدالة».. هكذا تصبح العدالة حين تتولى الجماعات تفسيرها كما تريد.

 

بعد عامين من تآلفنا مع مشاهد القسوة والعنف والألم السوري في أبشع لحظاتها باتت تلك الصور والحكايات من العاديات. لم يعد الألم والدم يثير فينا ما كان يثيره في بداية الثورة مع أن العنف قد تضاعف وتضخم بجنون.
 

لم يسبق أن جرى توثيق مشاهد تعذيب وقتل وموت وألم كما حدث ويحدث في الثورة السورية. كل المآسي والأحداث التاريخية الكبرى العنيفة والتي قتلت ملايين شهدنا منها لقطات بعيدة قليلة وأحيانا بلا صوت وباهتة فكانت أحداث العنف تلك حتى الموثق منها هي أقرب للسرية والغموض.

 لم يعد الحال هكذا اليوم، هنا يجوز ربما أن نؤرخ للعنف المصور قبل الثورة السورية وما بعد هذه الثورة التي ساهمت كل التقنيات الحديثة في تحويلها مشهدا طازجا نشاهده بتقنيات HD أحيانا كثيرة.


قبل أشهر انتشر نشيد منسوب لجبهة النصرة وعنوانه «بالذبح جيناكم» ويحوي تهديدات مغناة بالذبح والقتل، رد شاب سوري بأغنية مستوحاة من نشيد «النصرة» فاستعمل كلماتها المرعبة وعممها على كل الطوائف والأعراق خاتما إياها بجملة «رح نسلخ الإنسان ونمحي البشرية» للدلالة على الرغبة الاستئصالية التي يجري اللعب على وترها في الأزمة السورية. إنها لحظة انقسام مذهبي وأهلي كبيرة يسجل للنظام البعثي السوري نجاحه في استدراج سوريا ولبنان والمنطقة بأسرها لها. ما يجعل من ذلك الانقسام مادة شحن وإثارة كبرى هو ذاك الكم من العنف المصور الذي نصدم بمشاهدته بداية ثم نعتاده ثم لا نلبث أن نمارس مثله بل وربما أكثر.

 

نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية

 

رابط المقال

www.alarabiya.net

المشاركة
عرض المزيد