في الصحافة

مقال عن فيلم "الآن: نهاية الموسم" في جريدة المدن الالكترونية، بقلم روجيه عوطة

16/11/2015

الآن: نهاية الموسم، لأيمن نحلة: الإنتظار مكوث سيّال 

الكاتب: روجيه عوطة

 

في فيلمه القصير، "الآن: نهاية الموسم" (إنتاج بدايات)، الذي عرض مساء الأحد 15 تشرين الثاني، ضمن ملتقى "أشغال داخلية 7" في "أشكال ألوان"، يصور أيمن نحلة لحظة من لحظات الخروج السوري، أي التي تفصل الهرب من براميل "البعث" وإرهابه عن الهرب عبر البحر الى احدى البلدان الأوروبية. وهذه اللحظة، مكانها كاراج إزمير، حيث يصل السوريون بأمتعتهم، من حقائب وأكياس، ويهمون في ترقب الإقلاع منه. بين الوصول والإقلاع، هناك إنتظار، موضوعه البائن، إشارة مقبلة من المهربين، لكنه، وفي الوقت نفسه، يسود في كل رجائه ويسم أي شيء قد يقترب منه، محولاً اياه الى مُنتَظَر.

 

إلا أن الإنتظار لا يجيء بشكله دائماً، بل أنه في اللحظة، التي تنتجه المساحة الحاضرة بين الهرب والهرب، يأخذ شكلاً آخراً، وهو المكوث. إذ يتساوى مع الإقامة، والعكس صحيح أيضاً. فالجلوس على المقاعد، والوقوف، والتمدد على الأرض، يرادف إنتظار أوان الإنتقال الى عرض البحر. ولهذا الفعل الأخير، مشهد قاسٍ، عنصره المحوري هو سترة النجاة، التي تُباع في الأسواق التركية، ومع الملابس والأزياء الأخرى، فيشتريها الهارب، يرتديها، ليركب قارب من قوارب موته، فإما يتمم ارتحاله او يتممه الإرتحال نفسه.

 

هذا من ناحية الإنتظار في الصورة، أما، من ناحية الصوت المرافق لها، فثمة انتظار آخر فيها، تظّهره مكالمة هاتفية جرت في الثمانينات، وسُرب تسجيلها الى العلن منذ أشهر، بين حافظ الأسد ورونالد ريغان. وعلى طول التسجيل، الذي استخدمه المخرج في الفيلم، كان الأسد ينتظر وصول ريغان الى سماعة الهاتف ليشرع في التحدث معه. وبالطبع، ريغان تقصد فعله، أي دفع الأسد الأب إلى انتظاره. انتظر الأسد اكثر من عشرة دقائق، مرةً، يُقال لعامل هاتفه أن الرئيس الأميركي يحتاج إلى لحظات ويرفع هاتفه، ومرةً، يُقال له ان المكالمة قد حولت الى مكتبه، الى أن كشف سنتراله أنه لا يزال في مزرعته، يمارس رياضة الفروسية. تخلل المهاتفة، أو بالأحرى أولها، سكوت وتحين، ودارت على وقع صور الهاربين من نظام المهاتِف المنتظِر.

قد يبدو، للوهلة الأولى، ان الإنتظار الصوتي يطابق الإنتظار الصوتي، أو أن الهاربين يتحينون مع الأسد، ولكن، ذلك غير دقيق البتة. فالإختلاف واضح بين الإنتظارين، الأول، ريغان أوجب الاسد به بغاية التعبير عن اللامبالاة اتجاه شخصه وموقعه، والثاني، هو جزء من هرب السوريين، فضلاً عن كونه يأخذ شكل المكوث ويساويه. في أثناء الإنتظار الأول، يسكن الاسد في وقت إحتضاري، وفي اثناء الانتظار الثاني، يقيم السوريون في الإنتظار، جاعلين اياه وقتاً لتحضير إقلاعهم. إنتظار الاسد مفروض عليه، في حين أن انتظارهم، وبحسب ما صورته الكاميرا، ليسوا مكرهين عليه. وهنا، يؤدي الفيلم انحرافه عن تصوير اللاجئين النمطي، وهذا ما يسجل له. ذلك، أن الهاربين فيه لم يصوروا كأنهم ضحايا بائسين، لا حول ولا قوة لهم، بل أنهم، وبوجودهم، يبحثون عن محيص، عن منجى، يتجنبون قتلهم من خلاله، وهذا البحث هو فعل حياتي بامتياز، وفي سياقه، يتبدل معنى الإنتظار أو يُواجَه.

 

فغير أنه يساوي الإقامة، لا يعود زمن الإنتظار ميتاً، بل أنه يجري في مشاهد بعينها، وتكاد تكون ساخرة منه: أحد الهاربين يلبس سترة النجاة ويستفهم ضاحكاً حول جمالها أو مواءمتها له. مجموعة من الهاربين يتجمعون حول بعضهم البعض لكي يُلتقط لهم صورة بلا ان يظهروا مجرد كئيبين فيها. ولما تصور الكاميرا امرأة تبكي، تلتقطها من وراء زجاج الباص، وبلا ان تكون لحالها وقع درامي. فالانتظار يجري، والمكوث ايضاً.

 

يتصدى الإنتظار في الصورة للإنتظار في الصوت، وبلا أن يكون هذا هدفه. فلإنتظار الهاربين عنصر طبيعي، تصوره الكاميرا، أي الثلج، وهو لما يذوِّب معناه الإحتضاري، يصير ماءً سيَّالاً. ففي الخلاصة، حركة الهاربين تحول انتظارهم إلى مكوث فياض، وبذلك، يغيرون معنى الإنتظار، بوصفه فعلاً نظامياً، يمثل ترقب الأسد لريغان. فالآن، التي يقيمون بها، هي آن هاربة من وجه الأبد، وفي نهاية تصويرهم، يذهبون إلى إتمامها من جديد في أرجاء البسيطة المائية



رابط المقال على موقع المدن: 
http://www.almodon.com/culture/071c1d98-11d7-49d0-b946-bc5c0ece6d82

  

المشاركة
عرض المزيد