مقالات بدايات
لوحة "الغيرنيكا" للرسام الإسباني بيكاسو

أيقونة الهجرة السورية :عن صورة الطفل الغريق إيلان

24/09/2015

يقول المخرج الفرنسي غودار: لا يمكن تغيير ما هو في صورة... ربما التغيير هو ما يحدث بين صورة وأخرى

الكاتب: علاء رشيدي

 

 

في عصر المعلومات الرقمية، التأمل في صورة، شكّلت حدثاً انسانياً حال نشرها، هو محاولة تحليل علاقة الصورة بالتجربة الاجتماعية لجماعة بشرية ما، بالحدث السياسي، واحتمالات الصورة في الإعلام، بعيداً عن عالم الخبر السريع، وانفعالات اللحظة الموّلدة لصورة الطفل السوري الغريق إيلان، والتي نشرت في 2 أيلول، وما تزال تداعيات ظهورها سارية إلى الآن. في العدد الأخير من مجلة "دابق" التي تصدر باللغة الإنجليزية، نشر تنظيم "الدولة الإسلامية" صورة الطفل الكردي تحت عنوان "مخاطر مغادرة ديار الإسلام" ، في ذات الوقت الذي تتهم فيه الصحافة العربية جريدة "شارلي ايبدو" بالإستعمال السافر للصورة، والسخرية من الأطفال المسلمين.


هذا النص، مشاركة في ملف بدايات عن ( الكتابة، الصورة، والحدث السوري ).

 

 

صور أطفال لكل مرحلة سورية :

 

منذ أطفال درعا في آذار العام 2011، و المراحل التي تمر فيها التجربة السورية تبتكر لكل منها أيقونتها الخاصة من صور متعلقة بالأطفال. فصورة الطفل ( حمزة الخطيب ) بشّرت بمرحلة التعذيب في السجون والمعتقلات، وصورة الطفلة ( زينب الحصني ) تحولت إلى رمز محزن للحرب الإعلامية المتبادلة بين الخطابات السياسية المتناحرة في سورية، واليوم صورة الطفل الغريق إيلان، تصبح الأيقونة البصرية، لمرحلة يعيشها المجتمع السوري، أطلقت عليها المنظمات الدولية، أكبر ظاهرة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية.

 

الظاهرة الاجتماعية خلف الصورة :

 

يمكن لصورة الطفل الغريق أن تمثل المشهد الأخير من حكاية، أو فيلم عن العائلة السورية الكردية، التي اختارت الهجرة. فالطفل إيلان منذ ولادته قبل ثلاث سنوات ، لم ينعم بالاستقرار في منطقة آمنة.

نزحت عائلته من كوباني في الشمال السوري إلى العاصمة  دمشق، ثم انتقلت إلى حلب، وبسبب تردي الأوضاع الأمنية هناك، انتقلت العائلة إلى تركيا للمرة الأولى، وقررت بعدها العودة إلى كوباني، المدينة التي كان العالم يهتم بها منذ فترة قصيرة، والتي حُررت من تنظيم "الدولة الإسلامية" ، فحصلت فيها مجزرة  على يد الجهاديين الذين نفذوا عملية ليومين في كوباني، قبل أن يطردهم منها المقاتلون الأكراد في حزيران. وقُتل في المجزرة حوالى 200 كردي.

 

مرة أخرى إلى تركيا، التي لم تتسع مخيماتها لإقامة عائلة إيلان، فأمضوا في بودروم شهراً، وباءت محاولتهما الأولى والثانية بالعبور إلى اليونان بالفشل، وانتهت المحاولة الثالثة بانقلاب القارب الذاهب إلى جزيرة كوس اليونانية، وغرق 12 مهاجراً سورياً في البحر المتوسط، منهم إيلان ( 3 سنوات )وأخيه غالب ( 5 سنوات ) ووالدتهما، وعثر العالم على جثث الثلاثة صباح 2 / أيلول / 2015 على شواطئ بودروم التركية.

 

هذه هي الحكاية التي ترمز إلى جزء من معاناة أية أسرة سورية، العنف الأهلي، القصف العسكري بالبراميل، التطرف الديني، العوز الاقتصادي، شروط الحياة التي دفعت إلى هجرة تقارب رحلة الموت. أصبحت صورة إيلان الغريق أيقونة المهاجرين.

 

أوروبا متهمة بغرق طفل سوري :

 

يُثير تلقي صورة الطفل الغريق مشاعر الإدانة لوفاة طفل في الثالثة من عمره، يحاول عبور البحر مع عائلته إلى حياة أفضل، لكنها تبدو حائرة في ذكر الجاني، أو الأسباب السياسية التي دفعت إلى حدوث هذه الجريمة المطلقة.

من الجاني في الصورة ؟، اللقطة تظهر الضحية بلا مجرم.

هل هو الأب الذي حاول لأبناءه حياة أفضل؟ أم مهرّب القوارب الغير مؤهلة لنقل الأعداد التي تحملها؟ داعش والجهاديين الذين ارتكبوا مجازرا كوباني؟ أم نظام بشار الأسد الذي يقصف القرى والبلدات؟

كل ذلك معروف سلفاً، ولكن مع صورة الطفل إيلان، أصبح هناك معناً آخر  ومتهماً جديداً : أوروبا.

احتلت صورة الطفل السوري الغريق على الشواطئ التركية الصفحات الأولى من الجرائد والمجلات الأوروية، وقد اعتذرت على سبيل المثال صحيفة الليبراسيون الفرنسية في اليوم التالي لأن طاقم تحريرها لم ينتبه لقيمة الصورة ولم ينشرها.

 

إنها الصورة  الأولى من آلاف صور الأطفال السوريين التي تتوالى منذ العام 2011، والتي تمس بتأثيرها العالم الأوروبي. أي نقول: العالم الأوروبي متهم لأول مرة، بصورة غرق طفل سوري. حيث تكاثرت التأويلات بأن الصورة رمز إلى الكراهية الأوروبية للمهاجرين والمكرّسة في قوانينها، والآليات المتبعة لتصبح الحفاوة الأوروبية - المتوسطية وقوانين حماية اللاجئين هي المحور الذي يجب أن تكون آثار الصورة فاعلة في تكوينه لدى الأوروبيين والنشطاء الإنسانيين.

 

أثر الصورة بين الرومانسية والفاعلية :

 

تساءل كثيرون لحظة تلقي نبأ غرق الطفل، أيمكن لصورة أن تغير المواقف والأحداث الدولية بحيث تنهي المصير القاسي الذي يعيشه مجتمع ما على المتوسط؟ أم أنها ستكتفي بإثارة العواطف والمشاعر الفردية؟

فيسرح الحالمون في التأثير الأخلاقي الذي ستنتجه صورة الطفل الغريق في العلاقات الدولية، وفي الموضوع السوري، أو في موضوع الهجرة واللجوء، ينتقدون بعبارات مثالية، ويطالبون من الصورة المسكينة أن تلعب دوراً عجزت عنه أعداد القتلى وأرقام الجرحى التي تتالى على نشرات الأخبار يومياً عن سورية، منذ خمس أعوام دون توقف، والتي تتحدث عن موت ما يقارب الربع مليون، وتشريد 12 مليوناً.

 

مهما أبكت صورة الطفل الغريق إيلان، رئيسة وزراء السويد، ورجب طيب أردوغان التركي، وأيقظت السياسية الأوروبية من غفوتها، فإنها غير قادرة على التغيير. واليوم، بعد مايقارب العشرين يوماً على نشرها، بالإمكان تلمس قدرة صورة إيلان على روي التجربة الإنسانية وإيصال اللحظة الإجتماعية وتجسيدها، ولكن، مهما شحنت بالذنب الأخلاقي، فأثرها وحده غير قادر على التغيير، وإلا حمّلناها فوق طاقتها، وخسرناها برومانسية مثالية.

 

يقول المخرج الفرنسي جان لوك غودار : "لا يمكن تغيير ما هو في صورة... ربما التغيير هو ما يحدث بين صورة وأخرى"، إذاً الأمل هو في التركيز على الإلتزام الأخلاقي التي تولده الصورة عند من يراها من الفاعلين في الإتحاد الأوروبي والمنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات المجتمع المدني والفنانيين الأوروبيين ودفعهم للعمل الجاد لأجل تحسين شرط العلاقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية بين الدول على طرفي حوض المتوسط.

 

هذا الأمل الذي نترجاه حين نسمع من جهات أوروبية أن صورة الطفل الغريق إيلان، " مؤلمة التأثير " ، أو " صورة تهتز لها المشاعر ". نتمنى من هذه العبارات الحالمة أن تولد فاعليةً وعملاً في إنقاذ اللاجئين، والمساعدة على تحسين العلاقات، وردم الهوة بين الشعوب على طرفي المتوسط. لكننا  سنبدو مجدداً حالمين بأثر صورة الطفل الغريق.

 

وكذلك الصوت السوري الحانق يحمل الصورة أملاً بأن تشكل القناعة لدى المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حل للوضع السوري، بمن فيهم المطالبين ببقاء النظام أو الذين يتأملون من الصورة وضع حد لحكم النظام الحالي. ولهذا فإن صورة الطفل الغريق ترمز جيداً للحظة التاريخية السورية، حيث لجسد غريق كل هذه القدرة على رواية الحال السورية.


 

الإعلام والصورة ( 1 ) : صناعة الصورة :

 

يذكر (أندريه غونترت) الباحث في وسائل الاتصال، أن حكاية الطفل الغريق إيلان ظهرت إلى العالم أولاً بفيديو، ثم بعد الفيديو، ظهرت الصورة، عرضتها وكالة اعلام تركية في البداية ، بعدها رويترز، ومن ثم وكالة الأنباء الفرنسية، وكلما ازداد انتشارها كصورة، نقصت كمية المعلومات عنها.  

بينما تقول الكاتبة والفيلسوفة (ماري خوسيه موندزين)* : "سواءاً صنعت الصورة أم لا ، فإنها تخبرنا عن حال اجتماعي واقتصادي لجماعة بشرية نعرفها، تشاركنا هذا البحر، وعلى الصورة أن تدفع للعمل بمساعدة الناجين من رحلة اللجوء، والانضمام إلى الحملات المطالبة بحسن استقبالهم."


 

الإعلام والصورة ( 2 ) : الجمهور يختار من الصورة التأثير

 

وتضيف الفيلسوفة ( موندزين )، عن دور الجمهور في انتقاء الصورة التي تؤثر فيه، فتقول*: "محاولات صناعة صورة من قبل وكالات الأنباء، لا تحقق الأثر المطلوب في صورة واحدة. إن خلف أي صورة واقعية أوضاع اجتماعية واقتصادية يعيشها شعب ما، إنها حقيقة مسبقة على الصورة، وحين تقرر هيئات إعلامية أو جهات إنتاج بصري أن تدعم قضية، أو تروّج للتعاضد مع قضية أخرى، فإنها تنتج بصريات، صور، فيديوهات تتعلق بهذه القضية، لكنها لا تحقق الأثر المطلوب من صورة محددة، وإنما للمتلقي، للجمهور، فاعلية في الانتقاء، وهكذا الصور التي تؤثر علينا، منتقاة من قبلنا، نختار منها التأثير"

 

الإعلام والصورة ( 3 ) : تقديس الصورة :

 

في عدد أيلول من مجلة "شارلي إيبدو"، وفي عدد بعنوان: "أهلاً وسهلاً باللاجئين"، وظّف محررو الجريدة الساخرة صورة الطفل الغريق إيلان في كاريكاتور ينتقد سياسة الاتحاد الأوربي حيال اللاجئين، وينتقد أوربا المسيحية، والتي لا تأبه لأطفال جيرانها المسلمين، لكن الصحافة العربية اعتبرت أنه استعمال سافر لقدسية الطفل الغارق في الصورة، وخصوصاً أن لمجلة "شارلي ايبدو" التاريخ الشهير في نشرها صور أثارت عليها حفيظة العالم الإسلامي وانتهت بعمل اجرامي استهدف أفراد الجريدة الفرنسية.

هكذا، حرم الاعلام العربي توظيف الصورة المقدسة، بقضايا إنسانية، وحتى بإنتقاد السياسات التي أدت إلى غرق الطفل إيلان، أي السياسات الأوروبية مع اللجوء السوري.



 

وصف أخير للصورة :

البطل بلا وجه، طفل في الأبدية

قالوا أن صورة الطفل الغارق، تذكر بمذبحة الأبرياء في الإنجيل، بالطفل المرسوم في أحد جوانب " الغيرنيكا " اللوحة التي رسمها بيكاسو عام 1937، للتعبير عن فظاعات الحرب الأهلية الإسبانية ،

قالوا أنها صورة طفل مقلوب ، بطل بلا وجه، اعتقدت مصورته أنه نائم.

قالوا أنه الضحية البريئة في الصباح على شاطئ البحر، الرمز العالمي للضمير الغافل.

قالوا بأيقونية جسد الطفل الذي لا يحيل إلى شيء إلاَ إلى صورته، ملتفاً على نفسه، تاركاً حقل الرؤية في المشهد بعيداً عن الحياة التي يبقى فيها كل السوريين.


 


*من مقابلة الكاتبة والفيلسوفة ماري خوسيه موندزين مع "فرناس كولتور"
رابط المقابلة: http://www.franceculture.fr/emission-la-grande-table-2eme-partie-une-image-peut-elle-changer-l-opinion-2015-09-08

المشاركة
عرض المزيد